الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام القرآن ***
قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ} فأمَّا الفقر فَهُوَ ضد الغنى، ولَيْسَ بأن يكون الَّذِي يقع عَلَيْهِ هَذَا الاسم، لا يملك شيئا، ولكنه عَلَى من لا يملك مَا يكون به غنيا وقَدِ اختلف أهل العلم فِي المقدار الَّذِي إِذَا ملكه الرجل دخل به فِي حكم الغنى، وخرج به من حكم الفقر، وحرمت عَلَيْهِ الصدقة، فقَالُوا فِي ذَلِكَ أقوالا مختلفة وروى كل فريق مِنْهُمْ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا يوافق مذهبه، فطائفة مِنْهُمْ تقول: من كَانَ عند أهله مَا يغديهم أو مَا يشبعهم حرمت بِذَلِكَ عَلَيْهِ الصدقة، وخرج به من الفقر، ومن كَانَ عند أهله دون ذَلِكَ، أو كَانَ لا شيء عند أهله كَانَ من الفقراء الذين تحل لهم الصدقة وروى أهل هَذَا القول مَا احتجوا به لمذهبهم حديث سهل بن الحنظلية، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 743- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْزُوقٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ حَنْظَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا ظَهْرُ غِنًى؟ قَالَ: " أَنْ يَعْلَمَ عِنْدَ أَهْلِهِ مَا يُغَدِّيهِمْ أَوْ مَا يُشْبِعُهُمْ ". 744- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ قَالُوا: وقَدْ دل هَذَا الحديث عَلَى الفقر الَّذِي به تحل الصدقة، وعَلَى الغنى الَّذِي تحرم به الصدقة وطائفة مِنْهُمْ يَقُولُونَ: من ملك أوقية، وَهِيَ أربعون درهمَا، أو عدلها من الذهب فَهُوَ غني، والصدقة عَلَيْهِ حرام ومن كَانَ لا يملك من الورق أوقية، ولا من الذهب عدلها فَهُوَ فقير، والصدقة لَهُ حلال، وروى أهل هَذَا القول مَا احتجوا به حديثا عَنْ رجل من بني أسد عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 745- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِرَجُلٍ يَسْأَلُهُ: " مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَعِنْدَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا " والأوقية يومئذ أربعون درهمًا، قَالُوا: فقَدْ دل هَذَا الحديث عَلَى الغني الَّذِي تحرم عَلَيْهِ الصدقة، وعَلَى الفقير الَّذِي تحل لَهُ الصدقة وطائفة تقول: من ملك خمسين درهمًا أو حسابها من الذهب فَهُوَ بِذَلِكَ غني، والصدقة عَلَيْهِ حرام، ومن كَانَ لا يملك ذَلِكَ فَهُوَ فقير، والصدقة لَهُ حلال، وروى أهل هَذَا القول مَا احتجوا به من حديث ابن مسعود، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 746- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، وَحَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَسْأَلُ عَبْدٌ مَسْأَلَةً وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ إِلا جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ شَيْنًا أَوْ كُدُوحًا، أَوْ خُدُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا غِنَاهُ؟ قَالَ: " خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ حِسَابُهَا مِنَ الذَّهَبِ ". 747- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كُدُوحًا وَلَمْ يَشُكَّ، وَزَادَ: فَقِيلَ لِسُفْيَانَ: لَوْ كَانَ عَنْ غَيْرِ حَكِيمٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَاهُ زَبِيدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالُوا: فَقَدْ دل هَذَا الحديث عَلَى الغني الَّذِي تحرم عَلَيْهِ الصدقة، وعَلَى الفقير الَّذِي تحل لَهُ الصدقة وروي هَذَا القول عَنِ الثوري، وعن محمد بن عبد الله الأنصاري وطائفة تقول: من كَانَ يملك من الورق خمس أواق، وَهِيَ مائتا درهم أو عِدْلُهَا من الذهب فَهُوَ بِذَلِكَ غني، والصدقة عَلَيْهِ حرام ومن كَانَ لا يملك ذَلِكَ فَهُوَ فقير والصدقة لَهُ حلال وروى أهل هَذَا القول مَا احتجوا به حديثا عَنْ رجل من مزينة، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 748- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، أَنَّهُ أَتَى أُمَّهُ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَوْ ذَهَبْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتَهُ؟، قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، وَهُوَ يَقُولُ: " مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللهِ، وَمَنِ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللهُ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ عِدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ يَسْأَلُ إِلْحَافًا " قَالُوا: فدل هَذَا الحديث عَلَى الغني الَّذِي تحرم عَلَيْهِ الصدقة، وعَلَى الفقير الَّذِي تحل لَهُ الصدقة، وقَدْ روي هَذَا القول عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وعن أَبِي يُوسُفَ، ومحمد حَدَّثَنَا محمد، عَنْ علي، عَنْ محمد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ، ولم يحك محمد خلافا بينه وبين أَبِي حَنِيفَةَ، وأَبِي يُوسُفَ حَدَّثَنَا سليمَان، عن أَبِيهِ، عَنْ محمد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وعن أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ قَالَ محمد رحمه الله: وَهُوَ قولنا: ولمَّا اختلفوا فِي ذَلِكَ نظرنا فِيه، فكَانَ الفقير الَّذِي تحل لَهُ به الصدقة لا يخلوا من أحد وجهين، إِمَّا أن تكون به الضرورة إليها كالضرورة إِلَى الميتة، فيكونَ الَّذِي يحل منها للمضطر إليها مَا يُذْهب به عنه خَوْفَ تلف نفسه، أو يكون لعدم ملك مقدار من المَال، فرأيناهم جميعا لا يختلفون أن من كَانَ يملك دون مَا يغدى أهله أو يعشيهم أَنَّهُ لا يخرج بِذَلِكَ من الفقراء حَتَّى تحرم عَلَيْهِ الصدقة الَّتِي تحل للفقراء، فعقلنا بِذَلِكَ أن الَّذِي يحل من الصدقة للمضطر إليها لَيْسَ مثلَ الَّذِي يحل لمضطر إِلَى الميتة منها للضرورة إليها، وأنه إنمَا جعل لعدم مقدار من المَال فنظرنا فِي ذَلِكَ فوجدنا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ روي عنه ما: 749- حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: " بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْمُتَّكِئُ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، آللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ نَعَمْ ". 750- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِي، عَنْ أَبِي مَعْبِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: " إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ أَطَاعُوا لَكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِنْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ ". 751- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الْقُطْرُيُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعِيًا عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَيَقْسِمَهَا فِي فُقَرَائِنَا، وَكُنْتُ غُلامًا بَيْنَهُمْ، فَأَعْطَانِي مِنْهَا قَلُوصًا " هَكَذَا حَدَّثَنَاه أَبُو أُمَيَّةَ. 752- وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا يَعْنِي: الْحَلْقَانِيَّ، عَنِ الأَشْعَثِ، عَنِ ابْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. فعقلنا بِذَلِكَ أن من ملك الخمس الأواق الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا الصدقة غني، وأن الَّذِي لا يملكها غير غني، وأن الَّذِي لا يملكها فلا تؤخذ منه الصدقة، وَهُوَ الَّذِي تعطى له الصدقة كمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، ومحمد وأمَّا المسكنة الَّتِي يكون بِهَا المسكين مسكينا فإن إبراهيم بن مرزوق. 753- حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}، قَالَ: الْفَقِيرُ الْمُحْتَاجُ الَّذِي بِهِ زَمَانَةٌ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَتْ بِهِ زَمَانَةٌ وَهُوَ مُحْتَاجٌ " ففِي هَذَا الحديث تبيان الفقير والمسكين مَا همَا؟ واسم المكسنة فقَدْ يجمع أصنافا من أهلها، مِنْهُمْ ذو الزمَانة، ومنهم من لا يسأل الناس، ومنهم من يسأل الناس، غير أنهم ذووا حاجة، وإن كَانُوا يتفاضلون فِي حاجاتهم إِلَى الصدقة، وقَدْ روي عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا المعنى مَا: 754- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ "، قَالُوا: فَمَنِ الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: " الَّذِي يَسْتَحْيِ أَنْ يَسْأَلَ، وَلا يَجِدُ مَا يُغْنِيهِ، وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُعْطَى. 755- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْحَوْضِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْهَجَرِيِّ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. 756- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 757- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 758- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وكَانَ معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ المسكين بالطواف " لَيْسَ عَلَى معنى إخراجه إياه من المسكنة حَتَّى تحرم عَلَيْهِ بتلك الصدقة، وحَتَّى لا يكون من المساكين الذين يدخلون فِي الآية الَّتِي تلونا، ولكنه أراد بِذَلِكَ أَنَّهُ لا يستحقها بكل أحواله حَتَّى تحل لَهُ من تلك الأحوال كلها، لأن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ روي عنه فِي الصدقة عَلَى المسكين السائل ما: 759- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخَيَّارِ، حَدَّثَهُ رَجُلانِ، أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلاهُ مِنْهَا، فَرَفَعَ الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ، فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ قَوِيَّيْنِ، فَقَالَ: " إِنْ شِئْتُمَا فَعَلْتُ، وَلا حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ ". 760- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ الْعَمْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخَيَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلانِ مِنْ قَوْمِي، أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. 761- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. 762- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَهَمَّامٌ، عَنْ هِشَامٍ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فكَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أباحهمَا الصدقة بقوله لهمَا: " إن شئتمَا فعلت "، ولم يمنعهمَا منها لقوتهمَا وجلدهمَا، ولم ينكر عَلَيْهِمَا سؤالهمَا إياه فِيهمَا ورد أمرهمَا فِي حالهمَا لها إِلَى أنفسهمَا، فقَالَ: " إن شئتمَا فعلت "، أي: لأنكمَا أعلم بحسة أمركمَا مني فِي غنى إن كَانَ معكمَا ثُمَّ غلظ عَلَيْهِمَا أمر الصدقة، فقَالَ: " ولا حق فِيهَا لغني، ولا لقوي مكتسب "، وجمع فِي هَذَا المعنى والقوي المكتسب، وإن كَانَ مختلفِين فِي المعنى، لأن الغني لا تحل لَهُ الصدقة أصلا، ولأن القوي المكتسب قَدْ تحل لَهُ الصدقة إِذَا كَانَ فقيرا، ولكنه لَيْسَ فِي حلها كالزمن الفقير الَّذِي لا يستطيع الغنى عَنْهَا باكتسابه تقوية مَا يغنيه عَنْهَا، وقَدْ يغلظ الشيء بمثل هَذَا قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ المؤمن الَّذِي يبيت شبعانا وجاره جائع "، فلم يكن ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يخرج بِذَلِكَ من الإيمَان حَتَّى يدخل به فِي حكم الكفر وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا دين لمن لا أمَانة لَهُ "، ولَيْسَ فِي معنى أَنَّهُ يكون بِذَلِكَ فِي حكم من لا دين لَهُ وكذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ المسكين بالطواف "، لَيْسَ عَلَى معنى أَنَّهُ يخرج بِذَلِكَ من أسباب المسكنة، حَتَّى يَكُونَ بِذَلِكَ مِمَّنْ تحرم عَلَيْهِ الصدقة، ولكن لَيْسَ حكمه فِي المسكنة كحكم من سواه مِمَّنْ لا يسأل، ولا يفطن لَهُ فيُعطى؟ وكذَلِكَ قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حديث عبيد الله بن عدي: " ولا حق فِيهَا لقوي مكتسب " عَلَى معنى ولا حق لَهُ فِيهَا كحق الزمن الَّذِي لا يستطيع الاكتساب، وقَدْ يُقَالُ: فلان عالم حقا، إِذَا كَانَ مِمَّنْ قَدْ تكاملت فِيه أسباب العلم، ولا يُقَالُ لَهُ إِذَا كَانَ دون ذَلِكَ: فلان عالم حقا، وإن كَانَ فِي الحقيقة عالمَا فلمَا كَانَ الَّذِي يراد به فِي تحقيق العلم لَهُ أعَلَى مراتب العلم، كَانَ كَذَلِكَ قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولا حق فِيهَا لقوي مكتسب " أي: ولا حق فِيهَا يكون به فِي أعَلَى مراتب أهلها الذين يستحقونها، لأن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ للرجلين الجلدين القويين اللذين يطيقان الاكتساب، هَذَا القول بعد أن أباحهمَا إياه بقوله لهمَا: " إن شئتمَا فعلت "، فعقلنا بِذَلِكَ أن قوله لهمَا: " ولا حق فِيهَا لقوي مكتسب " لَيْسَ عَلَى حرمتها عَلَى القوى المكتسب إِذَا كَانَ فقيرا، ولكن لمَا سوى ذَلِكَ وقَدِ اختلف أهل العلم فِي معنى من هَذَا وَهُوَ رجل، قَالَ: ثلث مَالي للفقراء والمساكين، ولفلان، عَلَى سبيل الوصية، فكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، يَقُولُ: يقسم ذَلِكَ الثلث عَلَى ثلاثة أسهم، فسهم منها لفلان، وسهمَان للفقراء والمساكين، وضرب للفقراء بسهم وللمساكين بسهم، كَذَلِكَ حَدَّثَنَا سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: وقَالَ أَبُو يوسف: يضرب للفقراء والمساكين بسهم واحد، ويضرب لفلان الموصي لَهُ معهم بسهم واحد، فيكون الثلث نصفَيْن، ولَيْسَ هَذَا القول بالمشهور عَنْ أَبِي يُوسُفَ، ولا نعلمه ذكر عنه إلا فِي هَذِهِ الرواية خاصة وأمَّا محمد بن العباس فحَدَّثَنَا، عَنْ علي، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فِي " رجل أوصى لأمهات أولاده وهن ثلاث، وللفقراء والمساكين بثلث مَاله، قَالَ: يكون الثلث بينهم عَلَى خمسة أسهم، منها ثلاثة لأمهات أولاده، وللمساكين سهم، وسهم منها للفقراء، ولم يحك خلاف " وإِذَا وجب أن يصرف للمساكين بسهم، وللفقراء بسهم فِيمَا وصفنا، وجب أن يكون المساكين غير الفقراء، والفقراء غير المساكين، ولا نعلم أَنَّهُ بَيَّنَ فِي ذَلِكَ شيئا يبين به كل واحد من الصنفين من الصنف الآخر منهمَا، وإِذَا وجب أن يكون الفقير هُوَ المسكين والمسكين هُوَ الفقير لأن الحاجة إِلَى الصدقة تجمعهمَا، وإن تفاضلا فِي الحاجة إليها كمَا تجمع المسكنة المساكين وإن تفاضلوا فِيهَا، وجب أن لا تصرف للفقراء والمساكين فِي الوصية الَّتِي ذكرنا إلا بسهم واحد كمَا قَالَ أَبُو يوسف فِيمَا روينا عنه. 763- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، يَقُولُ: أَمَّرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي مِنْ صَدَقَاتِهِمْ، فَفَعَلَ وَكَتَبَ لِي بِذَلِكَ كِتَابًا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا مِنَ السَّمَاءِ فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ مِنْهَا " فهذا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رد أمر الصدقات فِي هَذَا الحديث إِلَى الأجزاء الَّتِي جزأها الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا، وجعل للصدائي بعد مَا ولاه عَلَى قومه شيئا منها، ومحال أن يكون ولاه مع زمَانة به وأمَّا العاملون عَلَى الصدقات فهم الساعاة عَلَيْهَا، الذين يأخذون منها بعمَالتهم عَلَيْهَا مَا يأخذونه منها، وليس لهم فِي ذَلِكَ منها سهم موقت لا يزادون عَلَيْه، ولا ينقصون منه، إنمَا يعطون منها مقدار مَا يكفِيهم فِي عمَالتهم عليها لأنفسهم ولأعوانهم عَلَى ذَلِكَ وكذَلِكَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله، يَقُولُ فِيمَا حَدَّثَنَا محمد، عَنْ علي، عَنْ محمد، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: فإن قيل لَهُ التمر لم يلتفت إِلَى ذَلِكَ، ولكنه يعطي منها مَا يسعه ويسع أعوانه ولم يحك خلافا وأمَّا المؤلفة قلوبهم فهم الذين كَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتآلفهم عَلَى الإسلام لحاجة أهل الإسلام إِلَى ذَلِكَ وهذا مِمَّا أغنى الله عَزَّ وَجَلَّ عنه الْمُسْلِمِينَ بعد رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِي مدة من حياة رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأمَا قوله: {وَفِي الرِّقَابِ} فإن أهل العلم، رحمهم الله، اختلفوا فِي المراد بِذَلِكَ مَا هُوَ؟ فطائفة مِنْهُمْ تقول: هم المكاتبون يعطون من الزكاة مَا يستعينون به فِي فكاك رقابهم من الرق، والخروج من المكاتبات اللائي هم فِيهَا، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ بِذَلِكَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وزفر، وَأَبُو يُوسُفَ، ومحمد، والشافعي وطائفة تقول: هُوَ عَلَى الرقاب ساعون من الزكاة، فيعتقون فِيكون ولاؤهم للمسلمين، لا للمعتقين لهم خاصة، وَمِمَّنْ روى ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالك وكثير من أهل المدينة، وقَدْ روي فِي ذَلِكَ عَنِ المتقدمين مَا: 764- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " أَعْتِقْ مِنْ زَكَاةِ مَالِكَ ". 765- وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: " لا تُعْتِقْ مِنَ الزَّكَاةِ رَقَبَةً مَخَافَةَ أَنْ يَجُرَّ الْوَلاءَ " ولمَّا اختلفوا فِي ذَلِكَ ووجدنا الحجة قَدْ قامت عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: " إِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " عقلنا بِذَلِكَ أَنَّهُ لا يكون ولاء نسمة قَدْ أعتقها رجل لغيره، فاستحال بِذَلِكَ أن يكون للمسلمين جميعا ولاء مَا أعتق بعضهم، ولمَا انتفى مَا وصفنا ثبت القول الآخر، وأن المراد بالرقاب هُوَ المعونة للمكاتبين، كمَا قَدْ حض عَلَيْهِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما: 766- أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ أَعَانَ مُكَاتِبًا فِي رَقَبَتِهِ، أَوْ غَارِمًا فِي عُسْرَتِهِ، أَوْ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ ". 767- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ فعقلنا بهذا الحديث أن الصدقة عَلَى المكاتبين معونة لهم فِي رقابهم حَتَّى يعتقوها بأدائهم عَنْهَا وكمَا روي عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا: 768- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ الأُمَامِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: عَلِّمْنِي عَمَلا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: " وَإِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ عَرَّضْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَعْتِقِ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ "، قَالَ: أَوَلَيْسَ وَاحِدًا؟، قَالَ: " لا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا، وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفُ وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ، وَاسْقِ الظَّمْآنَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلا مِنْ خَيْرٍ " فَجَعَلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الحديث عتاق النسمة غير فكاك الرقبة، وجعل تحريرها فِيه عتاقها كمَا جعله الله عَزَّ وَجَلَّ فِي كتابه فِي الكفارة فِي الظهار، وفِي القتل خَطَأً، وفِي الأيمَان، وكمَا أوجبه عَلَى لسان رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكفارة بالإفطار فِي شهر رمضان، وجعل فكاك الرقبة المعونة فِي ثمنها الَّذِي يعتق به كمَا يفك المرهون بالديون الَّتِي هي محبوسة بِهَا وعقلنا بِذَلِكَ أن تأويل قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ} إن ذَلِكَ إلا فكاك للرقبة، هُوَ هَذَا المعنى، لا ابتياعها وعتاقها، والله أعلم ولم يرد فِي الحديث الَّذِي روينا والله أعلم بالمعونة، وثمن الرقبة الثمن الَّذِي يبتاع به، لأن ذَلِكَ لو كَانَ كَذَلِكَ لم يكن معونة للرقبة، وإنمَا كَانَ معونة لمبتاعها الذي قد تحرم عليه الصدقة، أو قد تحل له، والذي قد عسى أن يعتقها بعد ابتياعها إياها، أو يموت قبل أن يعتقها فتعود ميراثا عنه، أو يأَبَى فِي حياته عتقها فلا يحر عَلَى ذَلِكَ، فلا يحكم به عَلَيْهِ، أو تحدث به حادثة قبل عتقه إياها تمنعه من عتاقها كذهاب عقله ومَا أشبهه، عقلنا بِذَلِكَ أن الفكاك هُوَ ملكية الرقبة حَتَّى يتولى فكاكها به، لا مَا سواه، ولا يكون ذَلِكَ إلا وقَدْ تقَدم فِي الرقبة مَا يوجب لها الملك لمَا يملك، حَتَّى يفك به الرق عَنْهَا، وَهُوَ الكتابة لا غيرها وكذَلِكَ مَا جعل الله جل وعز فِي الآية الَّتِي تلونا فِي الرقاب هُوَ من هَذَا الجنس وَهُوَ مَا ملكته الرقاب، فلا يملك الرقاب مَا يؤديه عَنْ أنفسها حَتَّى يعتق به، إلا وَهِيَ مكاتبة قبل ذَلِكَ وقَدْ ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الآية فِي: {الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية فكَانَ مَا أريد به من ذَلِكَ هُوَ مَا يملكونه، فكَانَ أولى الأشياء بنا فِي الرقاب أن يجعل مَا أريدت به فِيهَا هُوَ مَا يملكه، ولا يكون ذَلِكَ كَذَلِكَ إلا وقَدْ تقَدمت المكاتبات فِيهَا، فِيثبت بِذَلِكَ أن أولى التأويلين بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَفِي الرِّقَابِ} هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الذين جعلوها فِي المكاتبين وأمَّا قوله: {وَالْغَارِمِينَ} فهم المدينون، لا اختلاف فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ علمناه وأمَا قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} فَهُوَ المعونة لأهل سبيل الله، وَهِيَ طاعته، فمنهم المجاهدون فيدفع إليهم منها مَا يستعينون به عَلَى جهادهم، ويكون الَّذِي يدفع إليهم من ذَلِكَ ملكا لهم، ومن مَات مِنْهُمْ بعد ملكه إياه قبل أن يصرفه فِي النفقة عَلَى نفسه فِي جهاده كَانَ من تركته، وجرى فِيه مَا يجرى فِي تركته فإن قَالَ قائل: فكيف يملكه المدفوع إِلَيْهِ؟ وإنمَا دفع إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لسبيل الله عَزَّ وَجَلَّ؟ قيل لَهُ: لم يدفع إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ غير مَالك لَهُ، إنمَا دفع إِلَيْهِ ليملكه، ثُمَّ يصرفه بعد ذَلِكَ فِي سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ ألا ترى أَنَّهُ لو كَانَ غنيا لم يجز أن يعطى من هَذَا شيئا إِذَا كَانَت الصدقة حرامَا عَلَيْهِ، وإنمَا يعطاه إِذَا كَانَ فقيرا، وإِذَا أعسر فِيمَا ذكرنا غنى المعطي وفقره لمن يُكِنَّ ذَلِكَ إلا أَنَّهُ يملك مَا أعطى منه وقَدْ روي عَنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يدل عَلَى هَذَا المعنى فِي ملك المعطى فِي سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ مَا يعطى فِيه: 769- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، وَنَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَدِّثُ، أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْمَرَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ ". 770- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بِائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " لا تَبْتَعْهُ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ". 771- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكُنَّا إِذَا حَمَلْنَا فِي سَبِيلِ اللهِ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَفَعْنَاهُ إِلَيْهِ فَيَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَجِئْتُ بِفَرَسٍ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا رَجُلا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَوَافَقْتُهُ يَبِيعُهَا فِي السُّوقِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهَا مِنْهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: " لا تَشْتَرِهَا، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ ". 772- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَنَّهُ " حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَرَأَى فَرَسًا أَوْ مُهْرًا فَأَرَادَ شِرَائَهَا فَنُهِيَ عَنْهَا ". 773- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَرَّازِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، أَنَّهُ " حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ فَلُوَّهَا فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". 774- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، " حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ يَحْيَى بْنَ الْحَرَّازِ أفلا ترى أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمنع المحمول عَلَى الفرس فِي سبيل الله من بيعها من غير الَّذِي حمله عَلَيْهَا إِذَا كَانَ قَدْ ملكها، وإنمَا منعه من الَّذِي حمله عَلَيْهَا لكراهية أن يعود إِلَى ملكه شيء قَدْ أخرجه من ملكه إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ بإعادته إياه إِلَى ملكه ومنهم الحاج المنقطع بهم، فيدفع إليهم منها مَا يستعينون عَلَى حجهم، ويكون الَّذِي يدفع إليهم من ذَلِكَ ملكا لهم عَلَى مثل مَا ذكرنا فِيمَا يدفع إِلَى المجاهدين فِي سبيل الله، وقَدْ روي عَنِ ابْنِ عمر رضي الله عَنْهُمَا مثل هَذَا. 775- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: أَوْصَى إِلَيَّ رَجُلٌ بِمَالِهِ وَقَالَ: اجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: " إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاجْعَلْهُ مِنْهُ ". 776- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عَنْدَ ابْنِ عُمَرَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَت: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ زَوْجِي مَاتَ وَأَوْصَى بِمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: " أَنْفِقِيهِ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْعَتِيقِ "، فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ جَعَلَ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ وقَدْ كَانَ محمد بن الحسن، قَالَ: فِي كتاب سيره الكبير فِي رجل أوصى بثلث مَاله فِي سبيل الله: إن الوصية أن يجعل ذَلِكَ فِي الحاج المنقطع بهم، ولم يحك خلافا بينه وبين أحد من أصحابه وقَدْ روي عَنْ أَبِي يُوسُفَ خلاف هَذَا القول وَهُوَ أن سليمَان حَدَّثَنَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ سئل عَنْ ذَلِكَ، فقَالَ: أهل سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ هم الغزاة، والذي قَالَ محمد فِي هَذَا أحب إلينا مِمَّا قَالَه أَبُو يوسف، لموافقته ابن عمر، ولمَا روي فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 777- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى أُمِّ مَعْقِلٍ الأَشْجَعِيَّةِ، فَسَأَلَهَا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا جَعَلَ نَاضِحَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَرَادَتِ الْعُمْرَةَ، فَسَأَلَتْ زَوْجَهَا النَّاضِحَ، فَأَبَى، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا، وَقَالَ: " إِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مِنْ سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ". 778- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مَعْقِلٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُضِعَ فِينَا الْجُدَرِيُّ، فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَتَرَكَ بَعِيرًا، فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " ارْكَبِي بَعِيرَكِ فَإِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ". 779- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ، أَنَّ أَبَا طَلِيقٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ امْرَأَتَهُ أُمَّ طَلِيقٍ ابْنِهِ، فقَالَتْ لَهُ: قَدْ حَضَرَ الْحَجُّ يَا أَبَا طَلِيقٍ، وَكَانَ لَهُ جَمَلٌ وَنَاقَةٌ، يَحُجُّ عَلَى النَّاقَةِ وَيَغْزُو عَلَى الْجَمَلِ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُعْطِيَهَا الْجَمَلَ فَتَحُجَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي حَبَسْتُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَتْ: إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ، أَعْطِنِيهِ يَرْحَمْكَ اللهُ، فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكِ، قَالَتْ: فَأَعْطِنِي نَاقَتَكَ وَحُجَّ أَنْتَ عَلَى الْجَمَلِ، فَقَالَ: لا أُوثِرُكِ بِهَا عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ: فَأَعْطِنِي نَفَقَتَكَ، قَالَ: مَا عِنْدِي فَضْلٌ عَنِّي وَعَنْ عِيَالِي، مَا أَخْرُجُ بِهِ وَمَا أَتْرُكُ لَكُمْ، قَالَتْ: لَوْ أَعْطَيْتَنِي مِنْهُ أَخْلَفَهُ اللهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَإِذَا أَتَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْرِأْهُ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُ بِالَّذِي قُلْتُ لَكَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْرَأْتُهُ مِنْهَا السَّلامَ، وَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَتْ أُمُّ طَلِيقٍ، فَقَالَ: " لَوْ أَعْطَيْتَهَا الْجَمَلَ كَانَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَوْ أَعْطَيْتَهَا نَاقَتَكَ كَانَتْ، وَكُنْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَوْ أَعْطَيْتَهَا مِنْ نَفَقَتِكَ أَخْلَفَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ "، قَالَ: وَإِنَّهَا تَسْأَلُكَ يَا رَسُولَ اللهِ مَا يَعْدِلُ الْحَجَّ؟، قَالَ: " عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ " فهذا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جعل الحج من سبيل الله، وأجاز صرف مَا جعل الله عَزَّ وَجَلَّ فِي سبيل الله إِلَيْهِ، فثبت بِذَلِكَ مَا قلنا. وأمَا قوله: {وَابْنَ السَّبِيلِ} فهم الغائبون عَنْ أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها، حَتَّى تلحقهم الحاجة إِلَى الصدقة، فالصدقة لهم حينئذ مباحة، وهم فِي حكم الفقراء الذين لا أموال لهم فِي جميع مَا ذكرنا حَتَّى يصلوا إِلَى أموالهم، وهذا مِمَّا لا اختلاف فِيه بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ علمناه واختلف أهل العلم فِي موضع الصدقات فِي صنف من هَذِهِ الأصناف سوى العاملين عَلَيْهَا وسوى المؤلفة قلوبهم الذين قَدْ ذهبوا فقَالَ قَائِلُونَ: يجزئ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، ومَالك، وَأَبُو يُوسُفَ، ومحمد، حَدَّثَنَا محمد، عَنْ علي، عَنْ مجاهد، عَنْ محمد، قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: " إن وضعت الصدقة فِي صنف واحد أجزأك ولم يحك خلافا حَدَّثَنَا يونس، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن وهب، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالك، قَالَ أدركت أهل العلم وَمْن أرضى لا يختلفون فِي أن القسم فِي سهمَان الصدقات عَلَى الاجتهاد من الوالي، فأي الأصناف كَانَت فِيه الحاجة والعدد، وأثر ذَلِكَ بقَدْر مَا فِيه، وعسى أن ينتقل ذلك بعد إِلَى صنف آخر بعد عام أو أعوام، فيفعل فِيه مثل ذَلِكَ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}، ويؤثر أهل الحاجة والعذر حيث مَا كَانَ ذَلِكَ، وقَدْ روي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عباس، وعن حذيفة، مَا يدل عَلَى هَذَا المعنى. 780- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}، قَالَ: " فِي أَيِّهَا وُضِعَتْ أَجْزَأَ عَنْكَ ". 781- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ الْخَيَّاطُ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}، قَالَ: " إِنَّمَا ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ لِتُعْرَفَ، وَأَيَّ صِنْفٍ أَعْطَيْتَ مِنْهَا أَجْزَأَكَ " وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ المقَالَةِ لِقَوْلِهِ هَذَا بمَا رُوِيَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ يَعْنِي: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية. 782- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ وَهُوَ يَقْسِمُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَجَعَلَ يَقْسِمُ، فَقَالَ: أَتُعْطِي رِعَاءَ الشَّاءِ؟ وَاللهِ مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَنْ يَعْدِلْ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ " فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...} الآيَة كُلَّهَا قَالَ: فَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ أَنَّهُ إنمَا أريد بهذه الآية نفِي غير أهل هَذِهِ الأصناف وإخراجهم من أهلها وقَالَ قَائِلُونَ: بل موضع الصدقات كلها من زكاة الأموال، ومن صدقات الفطر فِي الأصناف الَّتِي سمى الله عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الآية الَّتِي تلونا، إلا أَنَّهُ من فَقَدَ منها صنفا فلم يوجد كالمؤلفة قلوبهم الذين قَدْ فُقِدُوا، رجع جميع الصدقة فِي الأصناف الباقية الْمُسْلِمِينَ فِيهَا، وَمِمَّنْ قَالَ بهذا القول الشافعي ولمَّا اختلفوا فِي ذَلِكَ واحتملت الآية مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كل واحد من الفريقين فِيمَا تأولها عَلَيْهِ، كَانَ أولى الأشياء بنا صرف تأويلها إِلَى مَا روي عَنِ ابْنِ عباس، وعن حذيفة فِي ذَلِكَ، ولا نعلم لها فِي ذَلِكَ من أصحاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخالفا مع أَنَّهُ روي عَنْ رسول الله مَا يدل عَلَى مَا ذهبنا إِلَيْهِ من ذَلِكَ. 783- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، قَالَ: كُنْتُ امْرَءًا قَدْ أُوتِيتُ مِنْ جِمَاعِ النِّسَاءِ مَا لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ غَيْرِي، فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ تَظَهَّرْتُ مِنَ امْرَأَتِي مَخَافَةَ أَنْ أُصِيبَ مِنْهَا شَيْئًا، فَأَتَتَابَعَ فِي ذَلِكَ فَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْزِعَ حَتَّى يُدْرِكَنِي الصُّبْحُ، فَبَيْنَا هِيَ ذَاتَ لَيْلَةٍ تَخْدِمُنِي إِذْ كُشِفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي وَقُلْتُ: انْطَلِقُوا مَعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: لا، وَاللهِ لا نَنْطَلِقُ مَعَكَ، نَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ فِيكَ قُرْآنٌ، أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهَا، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، قَالَ: " أَنْتَ بِذَاكَ؟ "، قُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ قَالَ: " أَنْتَ بِذَاكَ "؟ قُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ، قَالَ: " أَنْتَ بِذَاكَ "، قُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ، وَهَأَنَذَا، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَإِنِّي صَابِرٌ عَلَيْكَ، قَالَ: " فَأَعْتِقْ رَقَبَةً "، قَالَ: فَضَرَبْتُ صَفْحَةَ عُنُقِي وَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ غَيْرَهَا، قَالَ: " فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ "، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلا فِي الصِّيَامِ، قَالَ: " فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا "، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَحْشَاءَ، مَا لَنَا طَعَامٌ، قَالَ: " انْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ، فَمُرْهُ يَدْفَعْ إِلَيْكَ صَدَقَاتِهِمْ، " فَأَطْعِمْ وَسَقًا بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَاسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى عِيَالِكَ "، قَالَ: فَأَتَيْتُ قَوْمِي، فَقُلْتُ: وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ، وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعَةَ وَالْبَرَكَةَ، قَدْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَدْفَعُوا إِلَيَّ صَدَقَةَ أَمْوَالِكُمْ، فَدَفَعُوهَا لِي، فَأَطْعَمْتُ وَسَقًا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَأَكَلْتُ سَائِرَهُ أَنَا وَأَهْلِي فهذا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جعل لقوم سلمة بن صخر أن يدفعوا صدقاتهم إِلَى سلمة بن صخر، ولَيْسَ من أهل الأصناف المذكورة فِي الآية الَّتِي تلوناها كلها، إنمَا هُوَ من صنف واحد من أصنافها، فدل مَا ذكرنا عَلَى صحة تأويل ابن عباس وحذيفة الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عنهمَا وقَدْ روينا فِيمَا تقَدم من كتابنا هَذَا حديث عبد الله بن الخيار عَنْ رجلين من قومه، أنهمَا أتيا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع البصر فِيهمَا وخفضه فرآهمَا رجلين قويين، فقَالَ: " إِنْ شِئْتُمَا فَعَلْتُ، وَلا حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ "، ولم يسألهمَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصنف الَّذِي همَا منه من أصناف أهل الصدقة المذكورة فِي الآية الَّتِي تلونا، ولو كَانَ يحتاج إِلَى إدخالهما فِي صنف من أصنافها ليحسب بمَا يعطيهمَا منها فِي جزء ذَلِكَ الصنف وقَدْ روينا فِيمَا تقَدم منا فِي كتابنا هَذَا عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أمر معاذ بن جبل لمَّا وجهه عَلَى الصدقة، " أن يأخذها من الأغنياء فيضعها فِي الفقراء "، فدل ذَلِكَ عَلَى أن أهل الصدقة هم الفقراء، وكل من وقع عَلَيْهِ بهذا الاسم كَانَ مستحقا لها فإن قَالَ قائل: فقَدْ رويتم فِيمَا تقَدم من هَذَا الكتاب حديث الصدائي، لمَّا قَالَ لَهُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَرْضَ فِي الصَّدَقَاتِ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلا غَيْرِهِ حَتَّى جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ مِنْهَا "، قَالَ: فهذا قَدْ دل عَلَى أن الصدقات مجزأة عَلَى ثمَانية أجزاء عَلَى مَا فِي الآية الَّتِي تلونا قيل لَهُ: فِي هَذَا الحديث مَا دل عَلَى مَا قلنا، وَهُوَ قول رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ مِنْهَا "، ولم يقل: فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك مَا يصيب ذَلِكَ الجزء منها وفِي هَذَا الحديث أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب للصدائي بشيء من صدقة قومه كتابا، ولم يسأله من الغارمين هُوَ أو من سائر أصناف الصدقات الذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ فِي الآية الَّتِي تلونا ليكون يكتب إِلَى عامله عَلَى الصدقة فِيمَا هناك أن يحتسب بالذي يدفعه إِلَيْهِ منها فِي حصة أهل ذَلِكَ الجزء منها، فدل ذَلِكَ أن مراد رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله للصدائي: إن الله عَزَّ وَجَلَّ جزأها ثمَانية أجزاء يجزئ وضع الصدقات منها فِي كل جزء منها ولمَّا كَانَ الإمَام إِذَا اجتمعت عنده الصدقات، جعلها حيث يجب عَلَيْهِ أن يجعلها فِيه، إن كَانَ فِيمَا قَدْ صار إِلَيْهِ منها شيء بعينه كابنة مَخَاضٍ، أو كابنة لَبُونٍ، أو كحقة، أو كجذعة، أو كثنية أو كسوى ذَلِكَ مِمَّا يجب فِي سوائم المواشي، ولم يكن عَلَيْهِ مع ذَلِكَ حَتَّى يحصل ثمنه دراهم أو دنانير، أو مَا سواها مِمَّا تمكن تجزئته عَلَى جميع الأصناف الذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ وعرائه فِي الصدقات، وإنمَا كَانَ عَلَيْهِ وضع مَا صار فِي يده منها بعينه فِيمَا يجب وضعه فِيه، ولم يكن عَلَيْهِ أن يعم بمَا أعطاه كل رجل مِنْهُمْ أهل الأصناف، دل ذَلِكَ عَلَى أن المراد بالآية مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي تأويلها ابن عباس، وحذيفة مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عنهمَا وقَدْ ذكرنا فِي حديث سلمة بن صخر الَّذِي رويناه فِي هَذَا الباب عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ قَوْمِهِ صَدَقَاتِهِمْ "، فدل ذَلِكَ أن مَا جعل للمساكين فجائز أن يدفع إِلَى واحد مِنْهُمْ، وقَدْ كَانَ أَبُو يوسف رحمه الله، يَقُولُ فِي رجل أوصى بثلث مَاله لفقراء بني فلان وَهُمْ لا يحصون: أَنَّهُ يجوز للوصي وضع ذَلِكَ فِي فقير واحد مِنْهُمْ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ محمد، عَنْ علي، عَنْ محمد عنه وكَانَ محمد بن الحسن يخالفه فِي ذَلِكَ ويقول: لا يجزئ وضع ذَلِكَ إلا فِي اثنين فصاعدا من فقراء بني فلان الموصي لهم حَدَّثَنَا بِذَلِكَ محمد بن علي عنه ولمَّا أمر رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمة بن صخر أن يأخذ صدقات قومه الَّتِي ترجع إِلَى الفقراء، دل ذَلِكَ عَلَى أن مَا قصد به إِلَى الفقراء والمساكين، فإنمَا هُوَ لله عَزَّ وَجَلَّ ألا ترى أن الوصية لهم بِذَلِكَ جائزة، وإن كَانُوا لا يحصون، وأن ذَلِكَ لَيْسَ كالوصية بالمَال لبني فلان الذين لا يحصون، الوصية بِذَلِكَ باطل، وَهُوَ خلاف الوصية بالشيء للفقراء من بني فلان، لأن ذَلِكَ يرجع إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ، فمَا كَانَ يرجع إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ فجائز أن يوضع فِي مسكين واحد، أو فِي فقير واحد ألا ترى أن محمدا قَدْ قَالَ فِي رجل أوصى بثلث مَاله لفلان ولفقراء بني فلان: أن الثلث يقسم بَيْنَ فلان وبين فقراء بني فلان نصفين، فيكون لفلان نصفه، ويكون نصفه فِي فقراء بني فلان، ولو كَانَ الواجب أن يكون فِي فقيرين من فقراء بني فلان لوجب أن يقسم الثلث، بَيْنَ ذَلِكَ الفقيرين وبين فلان المسمى، عَلَى ثلاثة أسهم فلمَّا ردوا حكم الوصايا للفقراء إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ مباحا للذي يتولاه، وضع ذَلِكَ فِيمَا يرى من الحاجة إِلَيْهِ وإن كَانَ المحتاج إِلَيْهِ واحدا عَلَى مَا آثر به رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمة بن صخر عَلَى غيره من سائر الفقراء وقَدِ اختلف أهل العلم فِي الفقراء من بني هاشم، هل يدخلون فِي الفقراء المذكورين فِي هَذِهِ الآية، أو فِي المساكين، أو فِيمن سواهم من أهل الأصناف المذكورين فِيهَا؟ وقَالَت طائفة مِنْهُمْ: يدخلون فِيهَا، وجعلوهم كمن سواهم من فقراء الْمُسْلِمِينَ، وقَدْ روي هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ولَيْسَ بالمشهور عنه وقَالَت طائفة مِنْهُمْ: لا يدخل فِي ذَلِكَ بنو هاشم وإن كَانُوا فقراء، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو يوسف، ومحمد حَدَّثَنَا سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وعن محمد، وعن أَبِيهِ، عَنْ محمد، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بهذا القول وكَانَ من حجة من ذَهَبَ إِلَى إباحة الصدقة، وإلى إدخالهم فِي هَذِهِ الآية كمن سواهم من الناس ما: 784- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَتْ عِيرٌ الْمَدِينَةَ، فَاشْتَرَى مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَاعًا فَبَاعَهُ بِرِبْحِ أَوَاقٍ فِضَّةً، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَرَامِلِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ قَالَ: " لا أَعُودُ أَنْ أَشْتَرِيَ بَعْدَهَا شَيْئًا وَلَيْسَ ثَمَنُهُ عِنْدِي " وكَانَ من الحجة عَلَيْهِم للآخرين أن هَذَا الحديث إنمَا هُوَ عَنِ ابْنِ عباس، والمشهور عنه فِي ذَلِكَ التحريم للصدقات عَلَى بني هاشم. 785- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَسَعِيدٌ ابْنَا زَيْدٍ، عَنْ أَبِي جَهْضَمٍ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: " مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ دُونَ النَّاسِ إِلا بِثَلاثَةٍ: إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ، وَأَنْ لا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ، وَأَنْ لا نُنْزِيَ الْحُمُرَ عَلَى الْخَيْلِ ". 786- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي جَهْضَمٍ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فهذا ابن عباس قَدْ أخبر فِي هَذَا الحديث أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختصهم ألا يأكلوا الصدقة، وجعلهم فِي ذَلِكَ خلاف غيرهم من سائر الناس، وكَانَ هَذَا الحديث أولى من حديث عكرمة الَّذِي رويناه فِي هَذَا الباب عَنِ ابْنِ عباس لأنه أخبر فِيه بحكمهم الَّذِي هم عَلَيْهِ بعد رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَدْ يجوز أن يكونوا كَانُوا من قبل ذَلِكَ عَلَى إباحة الصدقات لهم حَتَّى حظرها الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِم، ومنعهم منها، وجعلهم فِي ذَلِكَ فِي المرتبة العليا بتحريمه إياها عَلَيْهِم قَدْ روي عَنْ جمَاعة من أصحاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من تحريم الصدقة عَلَيْهِم مَا يوافق مَا رواه عبد الله بن عباس، ويخالف مَا رواه عنه عكرمة، فمن ذَلِكَ. 787- أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ السَّعْدِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا تَحْفَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، قَالَ: أَذْكُرُ أَنِّي أَخَذْتُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلْتُهَا فِي فِيَّ، فَأَخْرَجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُعَابِهَا، فَأَلْقَاهَا فِي التَّمْرِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَانَ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ التَّمْرَةِ لِهَذَا الصَّبِيِّ، فَقَالَ: " إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ ". 788- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عِمَارَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ شَيْبَانَ وَهُوَ أَبُو الْجَوْزَاءِ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّهَا لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ. 789- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَهُ، قَالَ: اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالُوا: بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلامَيْنِ لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَأَصَابَا مَا يُصِيبُ النَّاسُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا، فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لا تَفْعَلا، فَوَاللهِ مَا هُوَ بِفَاعِلٍ، فَقَالَ رَبِيعَةُ: مَا مَنَعَكَ هَذَا إِلا نَفَاسَةً عَلَيْنَا، فَوَاللهِ لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَفَسْنَاهُ عَلَيْكَ، قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَبُو حُسَيْنٍ أَرْسِلاهُمَا، فَانْطَلَقَا، وَاضْطَجَعَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجَرِ، فَقُمْنَا عِنْدَهَا حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا، فَقَالَ: " أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ "، ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَتَوَاكَلْنَا الْكَلامَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ، وَقَدْ جِئْنَاكَ لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّيَ كَمَا يُؤَدُّونَ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ، فَسَكَتَ حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ، وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ إِلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَنْ لا تُكَلِّمَاهُ، فَقَالَ: " إِنَّ الصَّدَقَةَ لا تَنْبَغِي لآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ "، ادْعُ لِي مَحْمِيَةَ، وَكَانَ عَلَى الْخُمُسِ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَجَاءَاهُ، فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: " أَنْكِحْ هَذَا الْغُلامَ مِنَ ابْنَتِكَ لِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ "، فَأَنْكَحَهُ وَقَالَ لِنَوْفَلٍ: " أَنْكِحْ هَذَا الْغُلامَ "، فَأَنْكَحَنِي، وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: " أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا وَكَذَا ". 790- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي زُبَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَبِيعَةَ حَدَّثَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ سَوَاءً. 791- حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَّابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كِخْ كِخْ، أَلْقِهَا أَلْقِهَا، أمَا عَلِمْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ". 792- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ جَمِيعًا، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي الإِبِلِ السَّائِمَةِ: " فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا مِنْهُ، وَشِطْرُ إِبِلِهِ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لا يَحِلُّ لأَحَدٍ مِنَّا مِنْهَا شَيْءٌ ". 793- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَكِيمِ الأَزْدِيُّ، وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ الصَّدَقَةِ، فَتَنَاوَلَ الْحَسَنُ تَمْرَةً، فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ: " إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَلا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ " كذا لفظ علي بن عبد الرحمن وأما لفظ فهد، فإنه قال: " إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة " بلا شك منه فيه فهذه الآثار قد رويت متواترة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بتحريم الصدقة عليهم، مع ما روي عنه من قوله صلي الله عليه وسلم في آثار سواها " إنا آل محمد لا نأكل الصدقة " فاكتفينا بالآثار الأُوَلِ كراهية أن يتأول متأول أن يزكيهم أكل الصدقة تنزها لا تحريما، وَهِيَ أولى من حديث ابن عباس فِي صدقة رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أرامل بني عبد المطلب الذي رويناه فِي هَذَا الباب، مع أنه قَدْ يحتمل أن يكون أراد بأرامل بني عبد المطلب من نسائهم اللائي لا يرجعن بأنسابهم إِلَى عبد المطلب، من الزوجات العربيات، ومن أمهات الأولاد وقَدِ اختلف أهل العلم فِي الصدقة عَلَى موالي بني هاشم، وهل دخلوا فِي الآية الَّتِي تلونا فِي أول هَذَا الكتاب أم لا؟ فقَالَ بعضهم: الصدقة لبني هاشم مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ، وبعض الذاهبين إِلَى تحريم الصدقة عَلَى صلبية بني هشام وقَالَ بعضهم: الصدقة عَلَيْهِم حرام، وهم فِي حرمتها عَلَيْهِم كمواليهم من بني هاشم فِي حرمتها عَلَيْهِم، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ بهذا القول أَبُو يوسف فِيمَا أملأه ببغداد، ولم يحك خلافا بينه وبين أَبِي حَنِيفَةَ، ولا من سواه من أصحابه وقَدْ روي عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يدل عَلَى صحة مَا قَالَ فِي ذَلِكَ. 794- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُقْسِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اسْتُعْمِلَ أَرْقَمُ بْنُ أَبِي أَرْقَمَ الزُّهْرِيُّ عَلَى الصَّدَقَاتِ، فَاسْتَتْبَعَ أَبَا رَافِعٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " يَا أَبَا رَافِعٍ، إِنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ". 795- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا قَالَ: حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ". 796- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ مَوْلًى لَنَا يُقَالُ لَهُ هُرْمُزٌ، أَوْ كَيْسَانُ أَخْبَرَنِي، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَانِي فَجِئْتُ، فَقَالَ: " يَا أَبَا فُلانٍ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَلا تَأْكُلِ الصَّدَقَةَ ". 797- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: مَيْمُونٌ، أَوْ مِهْرَانُ، أَنَّهُ قَالَ: " يَا مَيْمُونُ، أَوْ يَا مِهْرَانُ، إِنَّا أَهْل بَيْت نُهِينَا عَنِ الصَّدَقَةِ، إِنَّ مَوَالِيَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا فَلا تَأْكُلِ الصَّدَقَةَ " فهذه آثار ثابتة عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلَيْسَ لأحد خلافها، ولا القول بغيرها، غير أن بعض من كَانَ يذهب إِلَى تحريم الصدقة عَلَى بني هاشم من سوى أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ قَدْ كَانَ يبيحها لمواليهم، ويحرمها عَلَيْهِم أولى لمَا روينا عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وقَدِ اختلف أهل العلم فِي حكم بني المطلب هل هم فِي حرمة الصدقة كحكم بني هاشم فِي حرمتها عَلَيْهِم أم لا؟ فكَانَ أَبُو يوسف ومحمد يذهبان إِلَى أن بني المطلب غير داخلين فِي تحريم الصدقة، ويذهبان إِلَى أنهم كغيرهم من سائر بطون قريش سوى بني هاشم فِي حل الصدقة لهم وكَانَ الشافعي يذهب إِلَى تحريم الصدقة عليم ويجعلهم فِي ذَلِكَ كبني هاشم، وكَانَ مِمَّا يحتج به فِي ذَلِكَ مَا روي عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا قسم بينهم ذوي القربى، فأدخل فِيه بني المطلب مع بني هاشم، وجعلهم فِيه كهم، ولم يدخل معهم فِيه سواهم من سائر بطون قريش، فممَّا روي عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا: 798- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ مَطَرٍ الْبَغْدَادِيَّانِ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى، أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَلَمْ يُعْطِ بَنِي أُمَيَّهَ، وَلا بَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا، فَأَتَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَؤُلاءِ بَنُو هَاشِمٍ فَضَّلَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكَ، فَمَا بَالُنَا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ فِي النَّسَبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ؟ فَقَالَ: " إِنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا فِي إِسْلامٍ " قَالَ: أَفَلا تَرَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جعلهم فِي سهم ذوى القربى كبني هاشم، لا كمن سواهم من سائر بطون قريش فكَانَ من حجة الآخرين عَلَيْهِم أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعط بني المطلب من سهم ذوي القربى، لأنهم قرابة لَهُ كقرابة بني هاشم، ولكنه إنمَا أعطاهم للعلة الَّتِي اعتل بِهَا عَلَى عثمَان بن عفان، وعَلَى جبير بن مطعم وفِي تركه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التكثير عَلَيْهِمَا فِي قولهمَا لَهُ: هؤلاء بنو هاشم فضلهم الله بك، فمَا بالنا وبنو المطلب، وإنمَا نحن وهم فِي النسب شيء واحد، دليل عَلَى أَنَّهُ لم يعط بني المطلب من جهة النسب، إذ كَانَ قَدْ حرم من هُوَ فِي النسب كهم، ولكنه أعطاهم للجهة الأخرى وقَدْ رأينا من سوى بني المطلب مِمَّنْ قَدْ ولده هاشم مِمَّنْ كَانَ مفارق لرسول الله فِي الجاهلية والإسلام وَهُوَ أَبُو لهب، ومَا ولد فِي زمَان النبي صلّى الله عليه وسلم، قَدْ دخل مسلمو ولده فِي حرمة الصدقة، لأنهم من بني هاشم، ولَيْسُوا مِمَّنْ كَانَ مع رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجاهلية والإسلام فدل ذَلِكَ عَلَى أن تحريم الصدقة لم يدخل فِيه من كَانَ مع رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجاهلية من غير بني هاشم، وأنه إنمَا هُوَ عَلَى بني هاشم خاصة مِمَّنْ كَانَ معه فِي الجاهلية أو لم يكن، ولمَا كَانَ بنو أَبِي لهب يدخلون منه فِي النسب من هاشم، كَانَ كَذَلِكَ بنو المطلب يخرجون منه بخروجهم من النسب من هاشم وقَدِ اختلف أهل العلم رحمهم الله فِيمن تحرم عَلَيْهِ الصدقة بمكَانِه من هاشم بن عبد مناف، هل يصلح لَهُ أن يعمل عَلَيْهَا عملا تكون به عمَالته منها؟ فقَالَ قوم: لا يصلح لَهُ ذَلِكَ بمَا سوى عمَالته عَلَيْهَا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو يوسف بغير خلاف ذكره بينه وبين أَبِي حَنِيفَةَ وقَالَ قوم: لا بأس عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بالعمَالة منها، كمَا لا بأس عَلَى الغني الَّذِي لا تحل لَهُ الصدقة، بالعمَالة عَلَيْهِ وأخذ عمَالته منها وكَانَ من حجة من ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لا يصلح لمن مكَانُهُ من هاشم المكَانُ الَّذِي ذكرنا، العمل عَلَيْهَا والعمَالة منها بما: 799- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلْعَبَّاسِ: سَلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعْمِلَكَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " مَا كُنْتُ لأَسْتَعْمِلَكَ عَلَى غُسَالَةِ ذُنُوبِ النَّاسِ " ومَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي حديث عبد المطلب بن ربيعة الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تقَدم من كتابنا هَذَا لمَّا سأل هُوَ والفضل بن العباس رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستعملهمَا عَلَى الصدقة ليصيبهمَا منها مَا يصيب الناس، ويؤدوا منها مَا يؤدي الناس، ومن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهمَا عند ذَلِكَ: " إنمَا هِيَ أوساخ الناس " ومنعه إياهمَا ذَلِكَ من الولاية عَلَيْهَا، ومَا ذَكَرْنَاهُ هنالك فِي جواب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا رافع لمَّا أخبره أن المخزومي الَّذِي استعمله عَلَى الصدقة استتبعه كيمَا يصيب منها ونحن نعلم أَنَّهُ لم يكن يصيب منها عمل معه إلا من عمَالته عَلَيْهَا: " إن الصدقة لا تحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم وإن مولى القوم من أنفسهم " فمنعه بِذَلِكَ من العمل عَلَى الصدقة الَّتِي يستحق العمل لَهُ منها وكَانَ من حجة من أباحهم ذَلِكَ مَا روي فِي عمل علي بن أَبِي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الصدقة باليمن فِي زمن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فممَّا روي فِي ذَلِكَ ما: 800- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي أُنَاسٍ مَعِي، قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ سِعَايَتِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ " قَالَ: بِمَا أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، قَالَ: " فَأَهِلَّ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ ". 801- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ امْرَأَةُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهَا، أَنَّهُ كَانَ فِي الرَّهْطِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُصَدِّقًا بِالْيَمَنِ، فَسِرْنَا مَعَهُ، فَأَطَلْنَا السَّيْرَ حَتَّى كَلَّ ظَهْرُنَا الَّذِي خَرَجْنَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَرَقّ، فَسَأَلْنَاهُ أَنْ نُحِمَّ أَبَاعِرَنَا، وَنَرْكَبَ فِي إِبِل الصَّدَقَةِ حَتَّى تُحَمَّ أَبَاعِرُنَا، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا أَشَدَّ الإِبَاءِ رَحِمَهُ اللهُ وَرَضِيَ عَنْهُ، وَقَالَ: " إِنَّمَا لَكُمْ سَهْمٌ كَسِهَامِ الْمُسْلِمِينَ " قَالُوا: ففِي حديثي جابر، وأَبِي سعيد، عمل علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الصدقة باليمن فِي عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمله ذَلِكَ فإنمَا كَانَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتوليته إياه عَلَيْهِ، فاستدلوا بِذَلِكَ فِي مَا ذكروا عَلَى مَا قَالُوا مِمَّا قَدْ حكينا عنهم ولمَّا اختلفوا فِي ذَلِكَ نظرنا فِي الأولى مِمَّا قَالُوه فِي ذَلِكَ مَا هُوَ؟ فوجدنا الولاية عَلَى الصدقات لم يكرهها من كرهها لذاتها، وكيف تجوز كراهتها لِذَلِكَ وقَدْ تولاها رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لمَّا أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: عند إتيانهم إياه بِهَا، {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}، وأتاه ابن أَبِي أوفى بصدقة ابنه، فقَالَ: " اللهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى "، وقَدْ ذكرنا ذَلِكَ بإسناده فِي كتاب الصلاة من كتبنا هَذِهِ ولم يكن ذَلِكَ أن العمل المكروه عَلَى الصدقة لمن مكَانُه من هاشم، المكَانُ الَّذِي ذكرنا، إنمَا هُوَ العمل المطلوب به العمَالة منها فأمَّا العمل الَّذِي لا عمَالة معه مطلوبة فِيه، فليس بمكروه، ولمَّا كَانَ كَذَلِكَ لرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لمن سواه من خلفائه، ومن ولاته كَذَلِكَ، فوجب بمَا ذكرنا تصحيح هَذِهِ الآثار، وصرف عمل عَلِيٍّ عَلَيْهَا إِلَى أَنَّهُ عمل لا عمَالة فِيه مطلوبة به منه، وأنه كعمل رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَيْهَا، وَهُوَ أخذها مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ، ووضعها فِيمن هِيَ لَهُ، لا بشيء يأخذه منها عمَالة لها، فثبت بِذَلِكَ إباحة ذي المكَانَ الَّذِي ذكرنا من هاشم، العمل عَلَيْهَا بلا جعالة منها وحرمة الجعالة منها للمكَانِ الَّذِي ذكرنا من هاشم، حَتَّى تصح تلك الآثار الَّتِي رويناها فِيهَا، ولا يضاد بعضها بعضا وأمَّا مَا احتج به من احتج فِي ذلك بإجارة العمل للغني عَلَى الصدقة، والاجتعال عَلَى ذَلِكَ منها، فإن ذَلِكَ غير مشبه لمَا شبهه به، وَذَلِكَ لأن الغني الذي لَيْسَ لَهُ المكَانُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ من هاشم، قَدْ يجوز أن يفتقر فتحل لَهُ الصدقة بفقره إليها، وكذَلِكَ يجوز أن تحل لَهُ الصدقة بعمله عَلَيْهَا، وذو المكَانِ من هاشم لو كَانَ فقيرا لم تحل لَهُ الصدقة بفقره إليها، وكذَلِكَ لا تحل لَهُ بعمله عَلَيْهَا وقَدْ كَانَ علي بن أَبِي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي خروجه إِلَى اليمن عاملا لرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أعمَاله سوى الصدقة، منها القضاء كمَا: 802- حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِنَانٌ النَّحْوِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبَشِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ بَعَثْتَنِي إِلَى قَوْمٍ شُيُوخٍ، ذَوِي سِنٍّ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لا أُصِيبَ، فَقَالَ: " اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يُثَبِّتُ لِسَانَكَ، وَيَهْدِي قَلْبَكَ ". 803- وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضْرِبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ بَعَثْتَنِي إِلَى قَوْمٍ أَسَنَّ مِنِّي وَكَيْفَ أَقْضِي؟ فَقَالَ: " اذْهَبْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ ". 804- وَكَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، وَزَائِدَةُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ كُلُّهُمْ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ الرَّجُلانِ، فَلا تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ مَا يَقُولُ الآخَرُ، فَإِنَّكَ إِذَا سَمِعْتَ ذَلِكَ عَرَفْتَ كَيْفَ تَقْضِي "، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا بَعْدُ وَزَادَ سُلَيْمَانُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُثَبِّتُ لِسَانَكَ وَيَهْدِي قَلْبَكَ. 805- وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ حَنَشٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، فَقُلْتُ: بَعَثْتَنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، وَلا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هَادٍ قَلْبَكَ وَلِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلا تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلامَ الآخَرِ، فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ " ومنها الولاية علي معادنها كما: 806- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ أَبِي سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا إِلَى الْيَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِذَهَبٍ مِنْ تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلابٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، فَقَالَتْ: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا أَعْطَيْتُهُمْ أَتَأَلَّفُهُمْ " ومنها الولاية علي غزو كفار أهلها كما: 807- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عِمْرَانَ الطَّبَرَانِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ، فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً، فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ: " يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " منْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ " فدل مَا ذكرنا أن عليا كَانَ فِي خروجه إِلَى اليمن لولاية أشياء دخلت فِيهَا الصدقات وكَانَ بتوليه تلك الأشياء كالخليفة الهاشمي فِي توليه إياها ليوليها غيره مِمَّنْ ليس في نسبه، فيرزقه منها، ويتولاها بنفسه بلا رزق يرزقه منها، ويكتفِي بارتزاقه مِمَّا سواها، وبسهمه مِمَّا يغنمه بقتاله، وبسهمه بذوي قرابه وإن احتج محتج لمن ذَهَبَ إِلَى إجارة العمَالة لمن موضعه من هاشم الموضع الَّذِي ذكرنا بمَا روي عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أكله هدية بريرة الَّتِي تصدق بِهَا عَلَيْهَا، ومن قوله عند ذَلِكَ لمَّا قيل لَهُ: إنك لا تأكل الصدقة: هِيَ عَلَيْهَا صدقة ولنا هدية قَالَ: وكذَلِكَ العامل عَلَى الصدقة مِمَّنْ لَهُ من هاشم الموضع الَّذِي ذكرنا، العمَالة من الَّذِي أخذت من ملك المصدق بِهَا إلى ملكه لا واسطة بينهمَا، والصدقة عَلَيْهِ حرام مملكة إياها، وَهِيَ صدقة من حيث ملكها عَلَيْهِ حرام، ومَا تصدق به عَلَى بريرة فقَدْ كَانَت ملكته صدقة عَلَيْهَا، وخرج من ملك المصدق به عَلَيْهَا إِلَى ملكها، ثُمَّ أهدته هِيَ إِلَى من أهدته إِلَيْهِ فملكه عَلَيْهَا هدية وكَانَ بين خروج الصدقة بِذَلِكَ من ملك التصدق بِهَا وبين وقوع ملك الَّذِي أهدته بريرة إِلَيْهِ عَلَيْهِ ملك بريرة إياه، فكَانَ دخوله فِي ملك الَّذِي أهدته من صدقة قَدْ كَانَت، فأنبت وانقطعت قبل ذَلِكَ وملك العامل عَلَى الصدقة عمَالته من نفس الصدقة قبل إنباتها من ملك المصدق بِهَا، وانقطاعه عَنْهَا، وإنمَا أنبت ذَلِكَ وانقطع بملكه إياه، لا واسطة بينه وبينها وقَدِ اختلف أهل العلم فِي صدقات الذهب والفضة، هل للإمَام أن يتولى قبضها حَتَّى يضعها فِي مواضعها الَّتِي أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيهَا، أو يخلي بَيْنَ أهلها وبينهمَا حَتَّى يضعوهمَا فِي مواضعهمَا الَّتِي أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بِهَا فِيهَا وكَانَ أكثرهم يَقُولُ: للإمَام أن يقبضها حَتَّى يضعها فِي مواضعها الَّتِي أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيهَا وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، ومَالك، والثوري، وزفر، وَأَبُو يُوسُفَ، ومحمد، والشافعي وكَانَ بعضهم يَقُولُ: لا، بل يخلي الإمَام بَيْنَ أهل الذهب والورق، حَتَّى يضعوا مَا عَلَيْهِم فِيهَا من زكاة فِي المواضع الَّتِي أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيهَا واحتجوا فِي ذَلِكَ بمَا روي عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيه. 808- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبِدٍ، وَالْحَمَائِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ حَرْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ، إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ". 809- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: " لا تُحْشَرُوا وَلا تُعْشَرُوا "، قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: يَعْنِي لا تُجْلَبُوا. 810- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ الْبَجْلِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، احْمَدُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ رَوَّحَ عَنْكُمُ الْعُشُورَ ". 811- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: فَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالُوا: فلا نرى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رفع العشور عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ الَّتِي تتولى الأئمة قبضها من الناس قَالُوا: وقَدْ روي عَنِ ابْنِ عمر فِي ذَلِكَ، فذكروا ما: 812- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: " أَكَانَ عُمَرُ يَعْشِرُ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لا " فكَانَ من الحجة عَلَيْهِم للآخرين أن العشور الَّتِي رفعها رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَت، ولكنه المكس الَّذِي كَانَ أهل الجاهلية يفعلونه، وَهُوَ المذكور فِي حديث عقبة بن عامر الَّذِي. 813- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ "، يَعْنِي: عَاشِرًا فهذا هُوَ العشر المرفوع عَنْ هَذِهِ الأمة، لا مَا سواه وقد روي من حديث حرب بن عبيد الله من جهة الثوري، وحمَاد بن سلمة مَا يدل عَلَى هَذَا المعنى. 814- حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ حَرْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ خَالٍ لَهُ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ أَعْشِرُهَا؟ قَالَ: " إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ". 815- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ حَرْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَخْوَالِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَعَلَّمَهُ الإِسْلامَ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا يَأْخُذُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّ الإِسْلامِ عَلِمْتُهُ إِلا الصَّدَقَةَ، فَأَعْشِرُ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا يُعْشَرُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى " فدل ذَلِكَ عَلَى أن العشر المراد فِي الحديث الأول هُوَ خلاف الزكاة، فقَدْ كَانَ يَحْيَى بن آدم يذهب إِلَى تأويل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنمَا العشور علي اليهود والنصارى "، إنمَا هِيَ جزية عَلَيْهِم لا يؤخرون فِيهَا، والمَأخوذ من الْمُسْلِمِينَ من الزكاة طهارة لهم يؤجرون عَلَيْهَا، وكان المرفوع عَنِ الْمُسْلِمِينَ عنده هُوَ مَا كَانَ يؤخذ من الناس مَا لا يؤجرون عَلَيْهِ، وَهُوَ خلاف الزكوات، وبالله التوفِيق وأمَا الَّذِي روينا من قول ابن عمر: أن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لم يكن يعشر الْمُسْلِمِينَ، فإنمَا أراد بِذَلِكَ العشر الَّذِي رفع عَنْ هَذِهِ الأمة، وجعل عَلَى اليهود والنصارى عَلَى مَا فِي حديث رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رويناه فِي هَذَا الباب، فأمَّا زكاة الأموال فلا، والدليل عَلَى ذَلِكَ. 816- أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَبْطَأْتُ عَنْهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ لأَرَى أَنِّي لَوْ أَمَرْتُكَ أَنْ تَعَضَّ عَلَى حَجَرٍ كَذَا وَكَذَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أَخْبَرْتُ لَكَ خَيْرَ عَمَلِي فَكَرِهْتَهُ، أَوْ أَكْتُبْ لَكَ سُنَّةَ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ: اكْتُبْ لِي سُنَّةَ عُمَرَ، قَالَ: فَكَتَبَ، " مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا "، وَمِمَّنْ لا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمًا، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ لا ذِمَّةَ لَهُ؟ قَالَ: الرُّومُ كَانُوا يُقْدِمُونَ مِنَ الشَّامِ أفلا ترى أن عمر قَدْ كَانَ من سنته أخذ زكوات الْمُسْلِمِينَ من ورقهم عَلَى مَا فِي حديث أنس هَذَا، فدل ذَلِكَ أن العشر الَّذِي لم يكن يأخذه عَلَى مَا فِي حديث عبد الله بن عمر أَنَّهُ مَا كَانَ فِي الجاهلية يؤخذ فِي الإسلام من الْمُسْلِمِينَ من الزكوات الَّتِي يزكون ويطهرون بِهَا وهذا الَّذِي حكاه أنس بن مَالك عن عمر بن الخطاب، وقَدْ كَانَ من عمر بحضرة سائر أصحاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سواه، فلم ينكروه عَلَيْهِ، ولم يخالفوه فِيه، فدل ذَلِكَ عَلَى متابعتهم إياه عَلَيْهِ، وفِيهم الَّذِي سمع رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لا عشور عَلَى الْمُسْلِمِينَ " وكيف يجوز لقائل أن يَقُولُ: لَيْسَ إِلَى والي الأمة قبض الزكوات من الذهب والورق وقَدْ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، فأمره بأخذه إياها مِنْهُمْ، ولم يأمره أن يأمرهم أن يضعوها فِي أهلها. وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} وهم السعاة الذين يكون أخذها من الناس، ورفعها إِلَى الأئمة حَتَّى يضعوها حيث أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيه وكيف يجوز لقائل أن يفرق بَيْنَ زكاة المواشي وزكاة الثمَار، وبثين زكوات الذهب والورق، فيجعل للأئمة أن يتولوا قبض زكوات الثمَار والمواشي، ويمنعهم من قبض زكاة الذهب والورق بغير حجة بِهَا الفرق بَيْنَ هذين المعنيين والله الموفق الخوارج يظهرون عَلَى الناس فيأخذون مِنْهُمْ زكوات أموالهم ولو أن قومَا من الخوارج المتأولين غلبوا عَلَى قوم، فأخذوا مِنْهُمْ زكاة أموالهم، فإن أبا حَنِيفَةَ، وأبا يوسف، ومحمدا، قَالُوا: يجزئ ذَلِكَ عنهم، لأنه قَدْ كَانَ عَلَى أهل العدل أن يمنعوهم مِنْهُمْ، غير أنهم يستحبون لهم فِيمَا بينهم وبين ربهم أن يعيدوا إخراج زكواتهم حَتَّى يدفعوها إِلَى إمَام أهل العدل، أو حَتَّى يضعوها فِي المواضع الَّتِي أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيهَا قَالُوا: ولو أن الخوارج لم يظهروا عَلَى أهل العدل كما ذكرنا، فيأخذون مِنْهُمْ زكواتهم ولكن أهل العدل أتوهم طائعين، فدفعوا إليهم زكواتهم، فإن ذَلِكَ غير مجزئ عنهم، وعَلَيْهِم أن يعيدوا الزكاة فِي المواضع الَّتِي أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بوضعها فِيهَا، أو حَتَّى يخرجوها منها إِلَى الإمَام حَدَّثَنَا محمد، عَنْ علي، عَنْ محمد، عن يعقوب، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بجميع مَا ذكرنا ولم يحك محمد فِيه خلافا وقَدْ تقَدَّم فِي هَذَا قول ابن عمر كما: 817- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ حِبَّانَ، أَوْ حَيَّانَ السُّلَمِيِّ، شَكَّ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَقَالَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: يَجِيئُنِي مُصَدِّقُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَيَأْخُذُ صَدَقَةَ مَالِي، وَيَجِيئُنِي مُصَدِّقُ نَجْدَةَ فَيَأْخُذُ، قَالَ: " أَيَّهُمَا أَعْطَيْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ " قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: الصَّحِيحُ فِي هَذَا حيان السملي، وَهُوَ رجل من جلة التابعين وضع الصدقات فِي صنف من أصناف الصدقات قَدْ ذكرنا فِيمَا تقدم من كتابنا هَذَا مَا تأول أهل العلم عَلَيْهِ قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية، غير أنَّا احتجناها هنا إِلَى إعادته لشيء أردنا زيادته فِيه، وَهُوَ أن الشافعي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ كَانَ يذهب إِلَى أنها فِي أهل الأصناف الثمَانية مَا كَانُوا موجودين قَالَ: فيعطى الفقراء، والمساكين، والغارمون بمعنى: الفقر، أو المسكنة، والغرم، ويعطى ابن السبيل بمعنى البلاغ، ويعطى العامل بمعنى الكفاية والصلاح المَأخوذ لَهُ والمَأخوذ منه، ويعطى المكاتبون بمعنى مَا يعتقون فمعناه فِي ذَلِكَ: أن لا يزاد كل صنف منهم عَلَى مقدار مَا يخرجه من المعنى الَّذِي هُوَ فِيه حَتَّى يَكُونَ من أهله لا يعطى الفقير ولا المسكين فوق مَا يخرجهمَا من الفقر والمسكنة حَتَّى يَكُونَا غنيين، ولا يعطى الغارم فوق مَا يخرجه من الغرم حَتَّى يَكُونَ غير غارم، ويبقى لَهُ فضل، ولا يعطى ابن السبيل مَا يبلغه أهله ويبقى لَهُ فضل قَالَ الشافعي رحمه الله: والذين يَقُولُونَ: لا بأس بوضعها فِي صنف واحد من هَذِهِ الأصناف، لا يخالفوه فِي رجل أوصى لفلان، ولفلان، ولفلان، أو قَالَ: ثلثي لفلان، ولفلان، ولفلان أيهمَا يكونان أثلاثا بينهم؟ فكذَلِكَ لا يكون مَا جعله الله عَزَّ وَجَلَّ لأهل هَذِهِ الأصناف المذكورين فِي هَذِهِ الآية لأهل صنف منها دون نفسهم قَالَ: ولمَّا كَانَ فِي عطايا الآدمين كمَا ذكرنا، كَانَ فِي عطايا الله عَزَّ وَجَلَّ أحرى أن يكون كَذَلِكَ هَذِهِ معانيه وإن لم تكن هَذِهِ ألفاظه وكَانَ من الحجة عَلَيْهِ لأهل القول الأول فِيمَا حاجَّهُمْ به من الوصايا أَنَّهُ يَقُولُ: مَا أوصى به لفلان، ولفلان، ولفلان بينهم بالسوية، لا تفاضل بينهم فِيه، والذي فرضه الله عَزَّ وَجَلَّ من الصدقات فِي الأصناف المذكورة فِي آية الصدقات لَيْسَ كَذَلِكَ، لأنهم فِيه متفاضلون إذ كَانَ كل صنف مِنْهُمْ فِي قوله: إنمَا يعطى، بمعناه الَّذِي ذكرته فِي الآية، وكَانَ أحد الموصى لهم لو مَات قبل الموصي، فخرج من الوصية، لم يرجع إِلَى الباقين حصته الَّتِي كَانَت تكون لَهُ لو وجبت لَهُ فِي الوصية، وكَانَ أهل صنف من هَذِهِ الأصناف المذكورة فِي آية الصدقات لو ذهبوا حَتَّى لم يبق مِنْهُمْ أحد، كالمؤلفة قلوبهم الذين ذهبوا، لم يبطل مَا كَانَ يكون لهم من ذَلِكَ لو لم يذهبوا، وإنمَا يرجع مَا كَانَ يكون لهم لو لم يذهبوا فِي مثل مَا رجع إِلَيْهِ بقية الصدقات فدل ذَلِكَ أن الله عَزَّ وَجَلَّ لو كَانَ جعل الصدقات لأهل الأصناف الْمُسَمَّيْنَ فِي آية الصدقات، كمَا جعل الموصى الوصية لأهل الوصايا فِي مسألة الوصايا، لمَا رجع إِلَى أحد من أهل الأصناف مَا جعله الله لغيره من الصدقات، لأنه إنمَا جعله لمن سمَّاه لَهُ فِي الآية، فلا يجب رجوعه إِلَى غيره إلا بتوقيف من الله عَزَّ وَجَلَّ إيانا عَلَى ذَلِكَ بآية فِي كتابه، أو بلسان رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بمعنى سواهمَا يوجب ذَلِكَ، وإِذَا كَانَ الله عَزَّ وَجَلَّ جعل ذَلِكَ عنده لأهل الأصناف بمعانيهم الَّتِي ذكرهم بِهَا فِي الآية، كَانَ نظير ذَلِكَ من الوصايا المقصود بِهَا إِلَى ثلاثة نفر لأعيانهم الَّتِي يتساوون بِهَا فِي الوصايا، لا لحاجتهم الَّتِي يتفاضلون بِهَا فِي الوصايا، وكَانَ الوجه فِي ذَلِكَ: لو رفعت الوصية من الموصى كمَا ذكرنا، فمَات أحد الموصى لهم قبلهم، ثُمَّ مَات الموصي فِي القياس، قَدْ بطلت الوصية للباقين، لأنه لا يعلم مَا الَّذِي وجب لهمَا بها، لأن الَّذِي كَانَ يجب لهمَا بِهَا لو كَانَ صاحبها حيا فَهُوَ مَا كَانَ يصيبها إِذَا قسم الثلث عَلَى حاجتهمَا وحاجته، فإِذَا كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ فقَدْ صارت حاجته الَّتِي كَانَت تعلم منه، لو كَانَ حيا، غير معلومة، وإِذَا كَانَت كذلك لم يعلم مَا للباقين من الوصية فبطلت وصاياهمَا لِذَلِكَ، وحاش لله عَزَّ وَجَلَّ أن يكون مراده فِي آية الصدقة هَذَا المعنى، وإِذَا وجب أن يكون كَذَلِكَ مراده عَزَّ وَجَلَّ فيها، ولم يكن فِيهَا مَا تأوله الناس عَلَيْهِ غير هَذَا القول الَّذِي قَدْ بطل، وغير القول الآخر الَّذِي روي عَنِ ابْنِ عباس، وعن حذيفة فِي تأويل هَذِهِ الآية، ثبت القول الَّذِي روي عَنْهما فِي تأويلها، ولهو هَذَا القول أولى من مخالفته، إذ كَانَ من قوله تقليد الواحد من أصحاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لم نعلم عَنْ غيره مِنْهُمْ خلافا فِي ذَلِكَ فقَدْ خالف فِي هَذَا ابن عباس، وحذيفة، فِيمَا لم نعلم لهمَا فِيه مخالفا من أصحاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع مَا قَدْ شذ مذهبهمَا فِي ذَلِكَ مَا كَانَ من رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سلمة بن صخر فِي حديثه الَّذِي رويناه، وفِي إباحته لَهُ أخذ صدقات قومه بمعنى الفقر، لا بمعنى سواه من أصناف الصدقات المذكورة فِي الآية الَّتِي تلونا، وكيف يجوز أن تتناول هَذِهِ الآية عَلَى أن الله عز وجل قَدْ تعبد خلقه بأداء زكوات أموالهم إِلَى من قَدْ فُقِدَ بعد موته، فلا يقَدْرون عَلَيْهِ، كما قَدْ عدموا المؤلفة قلوبهم، وكمَا يجوز أن يعدموا المكاتبين فلا يَقْدِرُون عَلَيْهِم، وكَانَ يجوز أن يعدموا أبناء السبيل فلا يقَدْرون عَلَيْهِم ففِي هَذَا التأويل: أن الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تعبدهم بالخروج من زكواتهم إِلَى من لا يَقْدِرون عَلَيْهِ فِي حالٍ مَا، ولَيْسَت كَذَلِكَ صفات فرائض الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خلقه فِيمَا يعتد به من وضع فرائضه فِيه، ولمَّا كَانَ للفقراء والمساكين لا يجوز فَقْدُهُمْ، تبين بِذَلِكَ أنهم المقصودون فِي الآية، وأن من سواهم مِمَّنْ ذكرهم معهم فإنما هم أصناف الفقراء والمساكين الذين توضع الزكاة فِيهم، أو فِيمن وضعت فِيه منْهُمْ، والله الموفق للصواب.
|